جعفر عباس يكتب : الرجل الصالح وعم صالح

إليكم حكاية رجلين عجوزين كانا نزيلي مستشفى وكان أحدهما عاجزا عن الحركة، يقضي يومه كله وهو ينظر الى سقف الغرفة بينما كان الآخر يجلس في أول كل مساء قبالة الشباك الوحيد في الغرفة، ويقدم وصفا حيا لما يدور في المتنزه الذي يطل عليه الشباك: يا سلام.. ما أطيب هذا الصبي إنه يساعد امرأة عجوزا لاجتياز الشارع.. بالون البنت ذات القميص الأصفر علق في الشجرة… ما أروع سرب الحمام الذي يغطي العشب في الناحية الجنوبية من المتنزه..
بدأت السحب تكتسي لونا داكنا مما يبشر بهطول أمطار،… وهكذا ويوما بعد يوم كان المريض الجالس قرب الشباك يقدم تلفزة حية لزميله الآخر المشلول واصفا جمال الأشياء التي يراها، فيدخل السرور في نفسه. وذات صباح لم يسمع المريض العاجز تحية زميله، وناداه ولم يتلق منه ردا فاستنجد بالممرضة التي أكدت له ان صاحبه مات، فحزن عليه كثيرا فقد كان أنيسه الوحيد،. وطلب على استحياء نقله الى سرير زميله المتوفى القريب من النافذة مع تعديل وضع السرير بحيث يتمكن من رؤية الأشياء في المتنزه الذي كان الراحل العزيز يقدم وصفا يوميا حيا لما يدور فيه، وعندما استجابوا لطلبه، فوجئ بأن النافذة تطل على ساحة داخلية صغيرة في المستشفى مخصصة لبراميل القمامة والمخلفات، يعني لا متنزه ولا بطيخ. وسأل الممرضة: أين المتنزه الذي كانت تطل عليه نافذة صديقي المتوفى؟ فعجبت الممرضة من السؤال، وزاد عجبها عندما أبلغها ان “المرحوم” كان يصف له الأشياء الجميلة التي كانت تدور في المتنزه، هنا طفرت دمعة من عين الممرضة وقالت له: صاحبك الراحل كان رجلا نبيلا، فقد كان يصف لك وقائع الحياة في الخارج ليدخل السرور الى قلبك، وحتى الساحة الصغيرة القذرة التي يطل عليها الشباك لم يكن صاحبك يراها لأنه كان أعمى!!

وبالمقابل تعال شوف ما يفعله بعضنا عند زيارة مريض. العيون تغرورق بالدموع رغم ان المريض يأكل الآيسكريم بعد استئصال لوزتيه الملتهبتين. وتتوالى التحذيرات بان لا تفعل كذا وكذا. ولا تأخذي هذا الدواء لأنه سبب لخالتي عائشة التهاب المرارة!! وقبل سنوات كانت قريبة لي طريحة الفراش في بيتها بسبب آلام حادة نجمت عن التهاب القولون، وكان حولها عدد من الأقرباء فقلت محاولا الترويح عنها: تألمي على كيفك، ولكنني لم أسمع ان التهاب قولون نجم عن أكل الفسيخ تسبب في وفاة إنسان!! هنا قاطعتني قريبة لها ولي: وهل نسيت عم صالح؟ عانى من التهاب المصران ساعتين بس وات!! قلت لها ان عم صالح رحمه الله مات بسبب هبوط في القلب لأنه عندما أحس بألم في صدره قررت زوجته انه يعاني من الحموضة وسقته بعض اللبن. ولكن تلك السيدة ركبت رأسها: لا والله العظيم عم صالح قتله القولون، فقلت لها: زوري هذه المريضة يوميا وكلميها عن عم صالح وستلحق به قريبا!! وقبلها كنت أزور صديقا للعائلة يعاني من خلل في فقرات العنق، وزارتنا قريبة لنا وقالت له: ما تهمل نفسك.. جارتنا نفيسة كانت تعاني من نفس المشكلة وهي الآن مشلولة.. تمتمت: يا ولية قولي خيرا او اصمتي!


اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.