عبدالناصر الحاج يكتب: كأنها أكواب من عصير المحبة.. قطرات الندى تدفق من “الشهداء” وتروي عطش الثورة!!
ربما لم تكن صورة الشهيد محمد يوسف (جوني) وهو يحمل بيديه أكواباً من العصير في رمضان، بحثاً عن صائمين في الشوارع ليروي ظمأهم ، لم تكن هي وحدها، الصورة التي أيقظت أذهان السودانيين لرؤية النصف الآخر من (كوب) شهداء الثورة ضد الانقلاب ودولة القمع والإرهاب. فهناك المئات من الصور والمشاهد التي وثقتها عدسات الناشطين ، تحكي عن روعة شهداء الثورة السودانية وعظمة ميراثهم وارثهم الاستثنائي البديع، ولقد كان للشهيد جوني ورفقاه الآخرين من الشهداء ، دلالات رمزية كبرى ، تكشف عن خصائص استثنائية في الطبيعة الإنسانية والشخصية لهؤلاء الشهداء،
فجميعهم كانوا محبين لهذه البلاد وانسانها، كانوا يتمتعون بصفات أخلاقية وضعتهم على مقربة من منزلة الملائكية، كانوا جميعا يلبون نداء الثورة لتحرير الوطن من الأشرار بالسمع والطاعة، كانوا لا يولون الأدبار حين معارك الزحف الثوري الباسل، وكانوا يتخذون عهدهم مع الشهداء مثل تراتيل مقدسة يداومون على تلاوتها قبل أن يغمضوا جفونهم بالموت الأبدي. وعلى ذات (الحلاوة) التي كانت تعبئ أكواب الشهيد جوني في ذات نهار رمضاني تبحث عن حلوق العطشى الصائمين، كانت كذلك أرجل الشهيد “الريح” تغوص في وحل الطين تعميرا وتشييدا لأعمال البر والتعاون والخير في أزقة بحري، وكانت خصلات شعر الشهيد “مضوي” تتراقص مع كل نسمة لطيفة تغازل وجه مدينته الحصاحيصا لتوقظها نهوضاً للانضمام لركب الثورة وجحافل الشهداء الأخيار، وكذلك وفي أرض المحنة كانت سيرة الشهيد “شعيرية” تنبت مثل بذور طيبة مباركة تكفي بيوت أهلها من مدخور الخيرات لكل سنوات القحط والجفاف. وهكذا تتزين صفحات الميديا بصور الشهداء وسيرتهم الفريدة النضرة، تموج سطورها وحروفها ما بين معاني الجسارة والطيبة وكريم الأخلاق والخصائل، وكأنهم موكبٌ من فرسان لم يأت الزمان بمثلهم، يستظلون تحت ساعد الشهيد (عظمة) المُشرع في وجه الظلم والاستبداد ودولة الملثمين. وها هو رمضان العام ٢٠٢٣ يأتي، ويغيب الشهيد “جوني” ورفقاه في عليائهم البعيد، بينما أكواب حلمهم الممزوج بقطرات الندى و الرحيق لا زالت تبحث عن عطشى الثورات والتغيير غير المنقوص، عساها تبلل خاطر الوطن المجروح، ثم تفك أسره من أصفاد الطغاة !!.