الخرطوم – عبدالرحمن العاجب
لازال الوضع الأمني في إقليم دارفور يُنذر بالخطر، وتزداد الأوضاع هناك تعقيدا وخطورة يوما بعد يوم، وعلى الرغم من توقيع إتفاقية جوبا للسلام إلا أن الواقع هناك على الأرض ينبئ بانفجار الأوضاع في ظل عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية وجمع السلاح من المليشيات والقبائل.. ويمكن القول إن دافور حاليا بها سبعة جيوش هي (الجيش، والدعم السريع، وجيش حركة العدل والمساواة، وجيش حركة مناوي، وجيش حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وجيش تجمع قوى التحرير وجيش حركة التحالف السوداني، بجانب جيوش القبائل) وفيما يبدو أن هذا الواقع سيجعل من إقليم دارفور برميل بارود حال إنفجاره فإنه حتماً سيقضي على الأخضر واليابس. مطلع الاسبوع الماضي كشفت مصادر أمنية، وشهود عيان بولاية غرب دارفور عن عبور عشرات المسلحين الحدود مع السودان والتمركز في مناطق تابعة لولاية غرب دارفور، لكن حكومة الولاية قالت إن المسلحين يتبعون لحركات وقعت على اتفاق السلام.
** توغل عسكري تشادي
وأفاد ناشطون إن مواطنين في مناطق (أبو عرديبة وبئر سليبة والطويل) الواقعة شمال مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور أبلغوا القوات المشتركة بمشاهدتهم عشرات الأشخاص يستغلون دراجات نارية ويحملون أسلحة ثقيلة وصلوا من مناطق تشادية وتمركزوا داخل الأراضي السودانية، وحذر الناشطين من عواقب وخيمة حال لم تتحرك قيادات البلدين لحسم قضايا اختراق الحدود المشتركة، وفي السياق قال نائب والي غرب دارفور التجاني الطاهر كرشوم إن المسلحين الذين تجمعوا في (الطويل) بمحلية كُلبس يتبعون لبعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا دون أن يسمها، وقال كرشوم بحسب سودان تربيون إن بعض المنضمين للعملية السلمية حشدوا قواتهم في الحدود خلال الأيام الماضية دون اخطار سُلطات الولاية.
وأوضح كرشوم انه عقب وصول الجنود المسلحين لمنطقة (الطويل) التي يُقيم فيها العرب الرحل تخوفوا من نشوب أعمال عدائية من تلك القوات وهو ما قاد حكومة الولاية للدفع بتعزيزات أمنية لحفظ الأمن، وكشف عن اتخاذ حكومة الولاية لإجراءات وقائية لمنع وقوع أي اشتباكات مسلحة بما في ذلك الاتصال بقيادات الحركات المسلحة لتسحب قواتها من تلك المنطقة وابتعاث الإدارات الأهلية، وأضاف (الوضع الآن تحت السيطرة بعد انسحاب القوات إلى مناطقها في شريط الشمالي على الحدود).
** قوات مُشتركة
وفي نوفمبر الماضي احتشد آلاف المسلحين في مناطق (أم دافوق، أبو جرادل، أم دخن) الحدودية مع دولة إفريقيا الوسطى، بنية التوغل في الجارة الغربية التي تعاني من نزاعات مسلحة بين القوات الحكومية والمعارضة، فيما اتهم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو مطلع يناير الجاري جهات بالتخطيط لتغيير النظام في أفريقيا الوسطى انطلاقا من الأراضي السودانية، وتفيد متابعات (الجريدة) وجود عصابات مسلحة في مناطق أم دخن وأم دافوق الحدوديتان، تمارس أنشطة تشمل تجارة السلاح والمخدرات والبشر، إضافة إلى ارتكاب جرائم القتل وتهريب السلع الغذائية.
ونفذت قوات مشتركة من الجيش والدعم السريع والشرطة أمس (الاثنين) حملة أمنية بغرض القضاء على التفلتات الأمنية بمناطق حدودية محاذية لتشاد وأفريقيا الوسطى، وفي السياق قال قائد متحرك أم دخن بقوات الدعم السريع، العميد أبشر جبريل بلايل، في تصريح صحفي إن الحملة تهدف إلى القضاء على التفلتات الأمنية والظواهر السالبة بالمناطق الواقعة على الشريط الحدودي بين السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد، وأشار إلى أن الحملة استجابة لنداءات مواطني أم دخن والمناطق المجاورة الذين طالبوا بتأمين الطرق والأسواق ومحاربة الدراجات النارية والأسلحة غير المقننة ومروجي المخدرات.
ووفقاً لاتفاقية حماية الحدود بين السودان وتشاد التي بموجبها تم تشكيل القوات المشتركة السودانية التشادية والتي بإمكانها أن تتدخل بموجب الاتفاق لمطاردة متمردي البلدين إلا أن مناطق غرب دارفور الواقعة على الحدود الطويلة الرابطة بين البلدين تشهد تفلتات أمنية ونشاطاً مكثفاً لجماعات مسلحة تنشط في عمليات النهب وقتل المواطنين.
** الحرب التشادية
وفي أغسطس الماضي قُتل 18 من الرُعاة وأصيب 17 آخرون بجانب نهب قطعان من الماشية في بلدة (بئر سليبة) بمحلية سربا إثر هجمات شنتها جماعات تشادية مسلحة، وأثارت الحادثة حينها حالة من الغضب في الولاية المضطربة وسط دعوات لحشد مقاتلين من القبائل العربية لاختراق الحدود.
وعرفت دارفور السلاح منذ أمد بعيد، وأسهمت الحرب التشادية في تدفق كميات هائلة من الأسلحة إلى إقليم دارفور الذي يمتلك حدودا شاسعة ومفتوحة مع تشاد، وقام نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بتسليح بعض القبائل بعد اشتعال الحرب في دارفور سنة 2003م ولاحقا تم تشكيل مليشيات من هذه القبائل مثل قوات حرس الحدود وقوات الدعم السريع لمحاربة الحركات المسلحة، واشتهر إقليم دارفور بانتشار السلاح الذي بيع في أوقات سابقة علانية بالأسواق العامة، وكانت الذخائر توضع في العبوات التي تباع بها حبوب الذرة.
ورصد تقرير دولي في وقت سابق حجم السلاح المتداول في دارفور بنحو مليوني قطعة، لكن التقديرات تشير إلى أن كمية السلاح المنتشر بدارفور يفوق الخمسة مليون قطعة سلاح، وإن كانت التقديرات المحلية تشير إلى أن العدد أكثر من ذلك بكثير، لأن اقتناء السلاح لكل أسرة أصبح ضروريا لحماية الأنفس والممتلكات. وإلى جانب الأسلحة التي سلمها النظام السابق لقبائل بعينها فإن المصدر الرئيسي للأسلحة في دارفور يتمثل في ليبيا، بعد سقوط معمر القذافي في العام 2011م وقبل عامين تقريباً نبهت الأمم المتحدة في تقرير إلى أن ليبيا تضم أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة، بما يوازي بين( 150 و200) ألف طن في جميع أنحاء البلاد.
** أجواء انفصالية
وفي فبراير الماضي قال فريق خبراء تابع لمجلس الأمن الدولي، إن نشاط تجارة الأسلحة التي تشمل صورايخ (أرض – جو) في الأسواق المحلية باقليم دارفور، تُشكل تهديدا كبيرا لأمن المنطقة، فيما قدم فريق الخبراء المعني بالسودان تقريرًا إلى مجلس الأمن الدولي، وقال التقرير إن (التجار الذين يزاولون نشاطهم عبر الحدود وأصلوا توريد أنواع كثيرة من الأسلحة والذخائر إلى الأسواق المحلية في دارفور بأسعار موحدة) وأشار إلى أن الأسلحة المُوردة تشمل (أسلحة نارية آلية وقنابل صاروخية ومسدسات وبنادق بعيدة المدى عالية الدقة وصواريخ أرض – جو).
وشدّد الفريق على أن انتشار الأسلحة والذخائر في دارفور يشكلان تهديدا للأمن في المنطقة، موضحا أنه (ظل وجود الأسلحة واستخدمها في معظم مناطق الإقليم بارزا في هجمات متعددة بين القبائل والسطو المسلح) وأضاف: (أظهرت شدة الهجمات والأعمال الانتقامية داخل المجتمعات المحلية في جميع أنحاء دارفور بوضوح أن تداول الأسلحة وانتشارها يشكلان عاملا رئيسيا في تهيئة الأجواء الانفصالية والمحركة للنزاع، ولابد من السيطرة عليه بصورة عاجلة).
وبحسب ما أفاد الفريق فإن بطء تنفيذ اتفاق السلام سيعوق، بشكل خطير، أي محاولات لإقامة رقابة على أسلحة القبائل و(ما لم تعالج العوامل المسببة لحيازة جهات غير تابعة للدولة للأسلحة في دارفور، ستقاوم القبائل أي تدابير ترمي إلى تحديد الأسلحة) وكشف التقرير عن بدء (قبائل كانت في الجانب المغلول سابقا في ظل احتلال أراضيها ومحدودية قدرتها المسلحة، في تنظيم نفسها من أجل توفير الحماية لنفسها واجتلاب الأسلحة) وأشار فريق الخبراء إلى أن (محاولات المجتمعات المحلية لامتلاك زمام أمنها، نتيجة لعدم قدرة حكومة السودان على حمايتها، لا تبشر بالخير لاستقرار دارفور).
الواقع الجغرافي لإقليم دارفور الذي يحاذي دول جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا، والتي لا تزال تشهد نزاعات مسلحة بين الحين والآخر، كما أنها لا تنعم بالاستقرار، جعل من اقليم دارفور عرضة للخطر الداهم الذي ربما يعصف باستقراره ما لم تقوم الحكومة السودانية بوضع تدابير احترازية حاسم لضبط حدود السودان مع هذه الدول التي يتدفق منها السلاح إلى الإقليم.